خطوات صينية ثابتة نحو دول الجنوب العالمي
الثلاثاء 08/يوليو/2025 - 12:11 ص

ليانغ سون لي
طباعة
في الفترة من 5 إلى 8 يوليو، يقوم رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بزيارة إلى مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية للمشاركة في القمة السابعة عشرة لقادة دول مجموعة "البريكس"، يعقبها زيارة رسمية إلى مصر في الفترة من 9 إلى 10 يوليو. وتمتد هذه الزيارة بين قارتين، ما يعكس الرؤية العالمية الشاملة للدبلوماسية الصينية، ويؤكد في الوقت ذاته التزام الصين الراسخ بتعميق التعاون مع دول الجنوب العالمي. وفي ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، تواصل الصين عبر خطواتها العملية فتح آفاق جديدة للتعاون بين دول الجنوب.
تحمل هذه القمة أهمية استثنائية، إذ تشهد أول انعقاد لها بعد توسيع عضوية المجموعة، مع انضمام فيتنام رسميًا، ليصبح عدد الدول الأعضاء 11، إضافة إلى 10 دول شريكة في إطار هيكل "بريكس بلس". وقد وُجّهت الدعوة إلى عدد من الاقتصادات الناشئة والمنظمات الدولية للمشاركة في أعمال القمة، في خطوة تعكس تسارع الانتقال نحو نموذج عالمي متعدد الأقطاب، وتعزيز مكانة "البريكس" كمنصة رئيسية لتعزيز التعاون بين الدول النامية. وتُعد الصين من أبرز الداعمين لهذا المسار، حيث تعمل على توسيع نطاق المشاركة فيه، بما يسهم في تمكين دول الجنوب من التعبير عن مصالحها في المحافل الدولية.
وفي سياق إعادة تشكيل موازين القوة العالمية، يتضح أن النموذج الأحادي القطب لم يعد مستدامًا، وأن العالم بات في حاجة إلى نظام أكثر عدلاً وشمولًا. وقد أثبتت آلية البريكس قدرتها المتزايدة على الاستجابة لهذه التحديات، بدءًا من تعزيز التسويات بالعملات المحلية، ومرورًا بدعم التعاون التكنولوجي، ووصولًا إلى الدفع بإصلاح النظام المالي العالمي. وفي جميع هذه المجالات، تواصل الصين الوقوف إلى جانب الدول النامية والدفاع عن مصالحها المشتركة.
وتكمن جاذبية البريكس في التزامها بمبادئ "التشاور التعاون والتقاسم"، بعيدًا عن تصدير الأيديولوجيات أو فرض النماذج، حيث تركز المجموعة على التنمية المشتركة والحوار المتكافئ والاحترام المتبادل. ويجد هذا النهج صدىً واسعًا في الدول العربية، وعلى رأسها مصر، التي تعد من الشركاء النشطين في هذه الآلية.
وتأتي زيارة لي تشيانغ إلى مصر ضمن هذا الإطار، محمّلة بدلالات استراتيجية عميقة. فمصر كانت أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وتُعد اليوم شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا لها في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا. وبفضل التوجيه الاستراتيجي من قيادتي البلدين، شهدت العلاقات الصينية-المصرية تطورًا ملحوظًا في مجالات متعددة، أبرزها البنية التحتية والطاقة النظيفة والاقتصاد الرقمي والصناعات التحويلية. وتُعد منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري المصرية-الصينية في السويس (تيدا) نموذجًا متقدمًا للتكامل الصناعي بين الصين وإفريقيا في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وفي ظل تنفيذ مصر لـ"رؤية مصر 2030"، التي تركز على التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة وتحديث القطاع الصناعي، تتقاطع أولويات التنمية المصرية بشكل واضح مع مجالات التميز الصيني. ومن هذا المنطلق، تشكل الزيارة الحالية فرصة استراتيجية لتعزيز التعاون القائم وتوسيع مجالاته المستقبلية، لا سيما في ميادين الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر، بما يضخ زخمًا جديدًا في الشراكة الثنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الصينية في الشرق الأوسط ترتكز على مبادئ "السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة"، بعيدًا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو إثارة التوترات والانقسامات. وعلى عكس بعض القوى الكبرى التي تنتهج مقاربات جيوسياسية ضيقة، تطرح الصين نموذجًا طويل الأمد قائمًا على التنمية المشتركة والمصالح المتبادلة. وهذا ما يفسّر عمق العلاقات الصينية-المصرية، والدعم المتزايد لفكرة بناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك.
تمثل زيارة لي تشيانغ في هذا السياق تجسيدًا عمليًا لتعزيز التعاون ضمن إطار "بريكس بلس"، وخطوة رئيسية على طريق بناء مجتمع صيني-مصري للمستقبل المشترك في العصر الجديد. وهي تعكس تمسك الصين بسياسة الانفتاح وتقاسم الفرص، وسعيها إلى مشاركة ثمار التنمية مع دول الجنوب، بما يعزز التنمية المستدامة ويحقق الازدهار المشترك. من توسيع إطار البريكس إلى تعميق الشراكة مع مصر، تمضي الصين بخطى ثابتة نحو نظام دولي أكثر عدالة وتوازنًا، مستمرة في تقديم رؤيتها وحلولها الصينية لخدمة السلام والتنمية في العالم.